صيام وعطش وعمل شاق تحت شمس حارقة
مآسي عمال ورشات البناء في الجنوب
عمال من جنسيات إفريقية ينتظرون فرصة عمل بتمنراست
تحت حرارة قياسية بلغت 46 درجة مئوية يعمل من بقي من عمال البناء بالورشات والمشاريع بولايات الجنوب وهم صائمين. وفي هذه الظروف شديدة القسوة والمأساوية يكدح هؤلاء مقابل أجر لا يفوق 500 دج يوميا.
يصعب على كل من لم يشاهد الصورة المجرّدة بعينه تخيل مدى معاناة عمال البناء الصائمين في شهر الرحمة بولايات الجنوب. هو مشهد رهيب في منطقة النومرات بغرداية، حيث اصطف عدد من العمال لرفع الأتربة والردم في مشروع سكني.
ولم يكن وضع هؤلاء قبل بداية شهر رمضان بـ''السيء جدا''، رغم عملهم تحت شمس حارقة وفي موقع صحراوي مكشوف أمام الرياح الساخنة المحمّلة بالتراب، فقد كانوا قادرين على شرب الماء لمواجهة الشمس الحارقة، أما اليوم فإن وضعهم مختلف تماما، إنهم صائمون، جياع وعطشى، وجوههم اختلط فوقها التراب والغبار بالعرق، وضع كل واحد منهم نصف كيس إسمنت ورقي فارغ، يرمي بين الحين والآخر الماء فوقه للاحتماء قدر الإمكان من حرارة الشمس.
عمال بسطاء فقراء تقطعت بهم السبل في شهر رمضان، بعد أن فضّل أغلب زملائهم قضاء شهر الصيام في بيوتهم بعيدا عن هذه الحرارة التي تلفح الوجوه والعطش الشديد. حال هؤلاء لا يختلف كثيرا عن وضعية السجناء المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة.
ففوق الحرارة الشديدة والعمل الشاق لمدة 7 ساعات تحت الشمس، هناك عطش وجوع. وجوههم تنم عن مقدار الفقر الذي دفعهم إلى مثل هذا العمل في شهر يفضل فيه الناس الراحة خاصة في الجنوب.
بين هؤلاء يوجد بعض الأفارقة المعروفين بقدرتهم على التحمل، ومعهم شباب وكهول قدموا من أدرار للعمل في غرداية، وآخرون من عين الذهب في تيارت وواحد من تبسة، رفض بعض العمال الحديث إلينا كما رفض بعضهم بصفة قطعية السماح لنا بالتصوير بحجة أن صاحب المشروع سيفصلهم من العمل، إذا علم بالحادثة.
أحد هؤلاء قال إن رب العمل لم يصرح بهم لدى الضمان الاجتماعي رغم أن بعضهم يعمل لديه منذ 6 أشهر تقريبا. وقبل ''ع. لحسن'' الحديث عن واقع عمله هذا في شهر الرحمة، قائلا ''لا وجود للرحمة في هذا الشهر الفضيل.. على الأقل أنا لم أشاهدها في هذا الشهر، أنا مقيم في بلدية بونورة بغرداية، حرمني مسؤول جمعية الحي من قفة رمضان لأنني لا أملك شهادة إقامة، ويقسم مرتين، لولا حاجتي للنقود لإعالة أطفالي الثلاثة وزوجتي لما خرجت إلى مثل هذا المكان في رمضان''.
وقال زميله ''ب.عبد الله'' بأنه كاد أن يفقد الوعي بفعل العطش في اليوم الثاني من رمضان، بعد أن قضى يوم عمل شاق في ورشة بناء بمنطقة بوهراوة لكنه تمكن من إكمال اليوم وعند أذان المغرب شرب كمية كبيرة من الماء دفعة واحدة، وأصيب بعدها بآلام حادة في المعدة.
ورغم وضعهم المأساوي فإن روح الدعابة لدى ''المانوفرية'' لا تنتهي، فتراهم يحاولون التغلب على العطش بالضحك والحديث عن زملائهم في أدرار، أين تفوق درجة الحرارة الـ44 وعين صالح أين تصل إلى .48
غادرنا موقع الورشة وحالتنا النفسية متعبة جدا بعد مشاهدة واقع بسطاء فقراء حرمهم المقاول حتى من التصريح لدى الضمان الاجتماعي ومن العطلة السنوية ومن كل الحقوق، وهم الآن مضطرون لتحمل غضب الطبيعة في شهر رمضان من أجل 500 دج للعامل البسيط و900 للبناء المحترف.