جملة قرأتها كثيرا وكأن لم تمر غيرها علي.. وقفت عندها أتأمل المعنى البعيد بين سطورها، وتساءلت كم عدد الذين يعيشون على فكرة أن فلان أو فلانة سيبقى معي إلى نهاية عمري بنفس العاطفة والارتباط والعناية؟ مشكلة كثير من الناس هي في المقدار الكبير من الثقة التي يضعونها بالآخرين، من دون حماية داخلية تقيهم من مفاجآت الحياة أو تقلب القلوب، فلا يوجد حب للأبد ولا حال يستمر على وضعه، لذا لا أستغرب عندما يشتكي لي أحدهم من كمية الإحساس بخيبة الظن تجاه إنسان وضع جل ثقته واهتمامه به، ثم تغير عليه وصار قلبه يتجه إلى شخص آخر أو عمل أو هواية وجد فيهما نفسه. وعندما يؤمن الإنسان بأن الوحيد الذي سيرافقه في دروب حياته هو نفسه، وأن الآخرين ليسوا سوى عابري طريق، وعليه أن يحترم مرورهم ويحسن استقبالهم ويكرم ضيافتهم، لا أن يظن أنه بفراقهم ستنتهي حياته وتتعطل كل رغباته وأمنياته، فالحياة لا تقف عند فراق أب أو أم أو عزيز، والسعادة ممكن أن نجدها في أبسط الأشياء، والله تعالى حينما يأخذ منا شيئا باعتقادنا إنه ثمين.. فذلك لأنه سيتفضل علينا سبحانه بما هو أثمن وأغلى وأفضل، لذا حينما ننظر إلى مسيرة الإنسان، فإننا نجد أنه ولد من بطن واحد، وتربى بطريقة خاصة به، ثم تشكلت أفكاره، وقوي عظمه، وصار يخط طريق حياته بنفسه حسب قناعاته الشخصية، وحتى في موته. سيوضع وحده في قبره، وسيبعث وحده وسيحاسب أمام خالقه وحده، وهذا ما أود أن أشير إليه وأوضحه في هذا المقال، فعندما يشعر الإنسان بأن كل ما حوله من أقارب أو أصدقاء هم بشر مثله، لهم خط خاص بهم في حياتهم، وأنهم مسؤولون عن أنفسهم في المقام الأول مثلما هو مسؤول عن نفسه في سعادته أو شقائه، سيعيش من أجل الارتقاء والاهتمام بذاته والعمل على تنمية قدراته، ليكون أبر ابن وأفضل أب وأحسن رفيق في الحياة، وسيتمتع باللهبات التي يغدقها علينا الله سبحانه في هذا الكون الواسع، وسيكون فراق شخص في حياته، يعني قدوم من هو أفضل وأنسب للسير معه في طريق من عمره القادم.
لذا، فلنقدر ذواتنا ولنحم قلوبنا، فلن يعيش معنا طوال حياتنا سوى أنفسنا