لقد كان من أبرز سمات المربي الرباني أن يكون خير من يرقى اسمه حقيقة لا حكماً في قلوب الناس , إذ هو يسير على خطا المصطفى –صلى الله عليه وسلم-الذي قال الله جل وعلا عنه : ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ الْلَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ كُنْتَ فَظا غَلِيْظَ الْقَلْبِ لِانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (آَلِ عِمْرَانَ:159) .
وإن من أسرار التأثير و حب الناس للمربي المؤثر تمكنه من الوصول لقلوبهم عبر أبواب كثيرة منها :
- حسن الخلق : قال صلى الله عليه وسلم إن من أحبكم إلي و أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا وإن أبغضكم إلي و أبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون و المتشدقون والمتفيهقون قالوا : يا رسول الله ما المتفيهقون ؟ قال : المتكبرون ).حديث صحيح أنظر صحيح الجامع رقم2201 , وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:”إن الرجل ليدرك بحسن خلقه ، درجات قائم الليل صائم النهار” رواه الألباني في صحيح الجامع. وبذلك يظهر أن سمة حسن الخلق , ورقي التعامل هي من الدين بلا شك , وإنها مفتاح الداعية الأزكى لقلوب الخلق .
- الرفق واللين : يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه ) رواه مسلم .
- الحب : عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” يَا مُعَاذُ ، إِنِّي أُحِبُّكَ ، فَقُلْ : اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ ، وَشُكْرِكَ ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ ” رواه أبو داود والنسائي. ولذا فإن المربي الذي يوصي , ويعظ , ويرشد , و يوجه من قلب
- التهنئة والمسارعة في المبشرات المفرحات .. ونعم المربي الذي يفوز دائماً بالمسابقة في إفراح وتبشير من معه لاسيما مع اهتماماته الخاصة , إذ ذلك لا يُنسى مهما عبر الزمان , ونذكر في ذلك قصة توبة كعب بن مالك التي رواها بنفسه , وحين سمع بتوبته اتجه لمسجد النبي .. ونستمع له ليكمل لنا الشاهد المراد (…قال كعب حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حوله الناس فقام إلي طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني , ووالله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره ولا أنساها لطلحة قال كعب فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبرق وجهه من السرور أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك قال قلت أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله قال لا بل من عند الله وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر وكنا نعرف ذلك منه…) .
وهنا ننظر ما هو الأثر الذي تركه طلحة – رضي الله عنه – ثم نشاهد المصطفى الذي يبشر كعب وقد فرح بذلك بل لقد وجدوا الصحابة ذلك دوماً وعرفوه في مربيهم , فهو معهم في أفراحهم , وأتراحهم .
-فن الإنصات والاستماع .. وهذا الفن هو فن القائد الناجح , والمربي البارع إذ به يفهم النفوس , ويُترجم المفاهيم , ويعي المطلوب , ونذكر موقف عتبة حين أتى النبي –صلى الله عليه وسلم –ليُحاجه فتكلم عتبة حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يستمع منه قال:” أفرغت يا أبا الوليد ? ” قال : نعم . قال : ” فاستمع مني ” وأكمل النبي حديثه كما في الحديث المعروف , وهنا نجد أدب النبي الجم في استماعه , وندائه خصمه بأحب الأسماء .
-المشاركة في المهمات ..و من أبرز خصال المربي أن يشارك أصحابه الأعمال , وتنفيذ المشروعات , والمهام الميدانية , و في غزوة الخندق تمّ تقسيم المسؤولية بين الصحابة بحيث تولّى كل عشرةٍ منهم حفر أربعين ذراعاً ، ثم بدأو العمل بهمّة وعزيمة على الرغم من برودة الجوّ وقلة الطعام ، وزاد من حماسهم مشاركة الرسول – صلى الله عليه وسلم – في الحفر ونقل التراب .
وكان الصحابة رضوان الله عليهم يقضون الأوقات بترديد الأشعار المختلفة ، والنبي – صلى الله عليه وسلم – يشاركهم في ذلك ، فكانوا يقولون :
نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبداً
وهو يجيبهم بقوله :
اللهم إن العيش عيش الآخرة ، فاغفر للأنصار والمهاجرة
وكان – صلى الله عليه وسلم – يردّد أبيات عبدالله بن أبي رواحة رضي الله عنه :
اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلّينا
فأنزلن سكينة علينا وثبّت الأقدام إن لاقينا
إن الألى قد بغوا علينا وإن أرادوا فتنة أبينا
ومن هذا النموذج تبرز هذه الخصلة في روح المصطفى-صلى الله عليه وسلم-,والتي سارت بها الركبان في حديثهم عن تواضعه , و مشاركته أصحابه همومهم , وأعماللهم .
-العفو والصفح .. المربي القدوة يجد من معه سعة في صدره , وبستان ملؤه الحب , وحسن الظن , والعفو , إنهم لا يجدون نداً لهم في خصوماتهم , ومشاكساتهم , وزلاتهم إنه يرون قول الله تعالى “خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ”(199) الأعراف. متمثلاً في قدوتهم ومعلمهم .
المصدر : ملتقى المربين
بقلم : سعيد محمد ال ثابت
_______________