ودموع على الماضي تفيض وتقطرْ
|
|
| وذكرى كما العصفور بالقلب ينقْر
|
تمرُّ الرؤى مقهورةً خلف مقلتي
|
|
| ويملأ كأسي باللهموم التذكرُ...
|
وقفت على أطلال عمريَ متعباً
|
|
| ملولاً. وأصداءُ النواقيس تهدر
|
أسائل نفسي كيف أرثيك والأسى
|
|
| يلوك بأحنائي طويلاً ويعصر
|
دعوتُ القوافي كي تجود كعهدها
|
|
| ويطفو على القرطاس درُّ وجوهرُ
|
وتغني يراعي بالآلىء والحلا
|
|
| وتأتي بأغلى ما تصون وتستر
|
فمالي وقد أخنى الزمان ولفني
|
|
| رحيلك واستعصى البيان المعطَّرُ
|
***
|
"أبا عادل" والحبر ودَّع ريشتي
|
|
| فراحتْ بألوان الدموع تصور
|
وترسم عن تاريخ عصرك لوحةً
|
|
| عليها من الآلام ما لا يُفسَّر
|
طلعتَ على الأيام نجماً منورَاً
|
|
| ووجهاً بشوشاً بالسماحة يطفر
|
شبابٌ ولا أحلى وعِزٌّ ورفعةٌ
|
|
| وخيرٌ على أعتاب بيتك يُمطر
|
ولكنْ يد الأقدار مدَّتْ بنانها
|
|
| فهاجت بحارٌ عاصفاتٌ وأنهر
|
رمتك على الشطآن شلواً ممزقاً
|
|
| وصرتَ على أشلاء عمرك تعبر
|
حياتك سِفْرٌ من فصول كأنها
|
|
| ملاحمُ حزن بالنوائب تذخرُ
|
تحملت فوق الصبر أضعاف صبره
|
|
| وتاه وراء الجفن دمعٌ محيَّر
|
سقتك صروفُ الدهر مرَّ أساته
|
|
| وقطَّع منك القلبَ والقلبُ يزهر
|
تحجَّر حتى صار كالصخر قاسياً
|
|
| على صمته موج الردى يتكسَّرُ
|
صبرت على البلوى كبيراً ومؤمناً
|
|
| بأن قضاء الله أمرٌ مقدَّر
|
فكنت أمام النازلات محصناً
|
|
| وكنت بما تأتي المقادير تكبرُ
|
زمانك كالبستان ماتت ثمارُه
|
|
| قبيل أوان النضج والعين تنظر
|
تغرَّب عنك الأهل في ميعة الصبا
|
|
| وغُيّبَ عن دنياك وردٌ منوَّر
|
سكرتَ من الأحزان والليل وحده
|
|
| سميرك والأحزانُ كالخمر تسكر
|
وذقتَ من الآلام ما لم يذقْ فتىً
|
|
| وكنتَ على ما قدَّر الله تبصر
|
تبارك مَنْ أعطاك عزماً وقوةً
|
|
| فأفدح خطبٍ عند صبرك يصغر
|
لك الله كم خط الزمان فجيعةً
|
|
| فزوجٌ وأولادٌ على اللهجر بكروا
|
وخلَّوا لك الآهات تأكل بعضها
|
|
| وضاقت بك الدنيا وعمركُ مقفر
|
بقيت برغم القهر وجهاً مبشراً
|
|
| وقلبك قلب الطفل غضٌّ وأخضر
|
فلو أنصف الكتَّابُ صاغوك قصةً
|
|
| إذا قيَّموا صبر الرجال وقدَّروا
|
ولو فتشوا في جعبة الدهر هاللهمْ
|
|
| مصابك فالتاعوا وصلَّوا وكبروا
|
وقالوا هنا يبقى الضمير محيراً
|
|
| أنبكي ولكنْ للرجولة مظهر
|
بنونٌ على عزِّ الشباب وزوجةٌ
|
|
| مضوا قبل أن تنمو الغصون وتثمر
|
حبيبتك الأولى طوتها يد الردى
|
|
| وحولك منها قاصراتٌ وقُصَّر
|
تربوا على الحرمان بعد فراقها
|
|
| وشبوا يتامى والمنيةُ تقهر
|
وحنّوا إليها بعد حين وسافروا
|
|
| فرادى, وحبَّاتُ القلوب تقطِّر
|
ومَرّوا شباباً واحداً إثرَ واحدٍ
|
|
| وطرفُك مقهورٌ ودمعُك أحمر
|
فكم أشعلوا فيك الصبابة والأسى
|
|
| وكم لوَّعوا القلبَ الكبيرَ ودَمَّروا
|
فكانت عيون الناس تغفو قريرةً
|
|
| وعينُك في ذكر الأحبة تسهر
|
ومالك غيرُ الآه في عتمة الدجى
|
|
| على حرِّها تغفو إذا نام سمَّرُ
|
دعوتَ من الأعماق ربك صادقاً
|
|
| وقد مضَّك الوجد المقيم المسيطر
|
وقلتَ له يا رب خذني إليهمُ
|
|
| فقد طوقوا قلبي اشتياقاً وزنرَّوا
|
وطالتْ ليالي اللهجر بيني وبينهم
|
|
| وفاضت شجوني, والملّوعُ يعذر
|
فلبَّاك صوت الحق حباً ورحمةً
|
|
| وسبحانه بالحق يقضي ويأمرُ..
|
فنمْ في رحاب الله ضيفاً مكرَّماً
|
|
| تقرُّ بها عيناً وتسمو وتظفر
|
***
|
"أبا عادل" ليلٌ طويلٌ يلفني
|
|
| فأسرح خلف الذكريات وأبحرُ
|
تذكرتُ لمّا إنْ رحلتَ أحبتي
|
|
| ومَنْ قطعوا قلبي حنيناً وضوروا
|
ألمُّ طيوف الراحلين ملوّعاً
|
|
| أرشُّ الندى فوقَ القبور وأنثر
|
أحبة هذا القلب غابوا وودعوا
|
|
| وما تركوا غيرَ الأسى يتفجر
|
تعاودني ذكراكَ في كل ليلةٍ
|
|
| فأشرب دمعي حين وجهك يخطر
|
لنا في ربى الفيحاء عمرٌ منضرٌ
|
|
| وتذكر أيام التواصل دُمّرُ
|
وتعرفنا هذي الربوع وليتها
|
|
| تقصُّ حكايات اللهوى وتسطر
|
رعى الله شطَّ اللاذقية كم لنا
|
|
| بأحلى نواديه حضورٌ ومنبر
|
وقبلك مرّتُ بالفؤادَ نوازلٌ
|
|
| فلا جرحها يشفى ولا يتخثر
|
طويت أساها وهو ينزف ساخناً
|
|
| وصرتُ بظلي متعباً أتعثر
|
فبلغ تحياتي وشوقي ولوعتي
|
|
| لمنْ من أسى هذي الحياة تحرروا
|
لمن ذوّبوا بعد الرحيل حشاشتي
|
|
| وخلوَّا ندَّيات المدامع تطفر
|
هنيئاً لمَنْ مرَّوا كراماً أعزةً
|
|
| وبالحب والتقوى إباءاً تطهروا
|
وشادوا لنا مجداً تليداً ومهدوا
|
|
| دروب اللهدى بالمكرمات ونوَّروا
|
وناموا هنا تحت الظلال ومالنا
|
|
| على الذكر إلا دمعةٌ تتحدر
|
ورفٌّ من الأحلام في كل غفوةٍ
|
|
| تطوف وبين الهدب واللهدب تُحفر
|
فهذي هي الدنيا وهذي صروفُها
|
|
| تساوى أمام الموت زيدٌ وقيصر
|
وما بقيتْ إلا لربٍ وخالقٍ
|
|
| فبالقدر المكتوب نمضي ونحضرُ
|