أم وابنها بقلمي

بينما كنت في طريقي إلى بيتي ذات مساء استرعى انتباهي منظر غريب.
لقد رأيت من بعيد طفلا بساق واحدة لم يتجاوز ربيعه السابع يقفز بسرعة ويقطع الطريق .

لم أصدق ما رايت للوهلة الأولى وبقيت واقفا في مكاني وقلت في نفسي "يالأباء هاته الأيام .لا شفقة ولا رحمة كيف يترك طفل معاق مثل هذا وحيدا يقطع الطريق الخطرة بمفرده" .
ولقد كان الجو كئيبا والسماء تنذر بعاصفة هوجاء. فقررت أن أتبع هذا الصبي وأقابل والديه فأأنبهما وأفهمهما أن يترأفا بحال هذا المسكين.
وبالفعل تعقبت أثر الصبي من حيث لم يشعر بأني أتبعه حتى إذا رأيته يريد أن يدخل إلى دار قد صال عليها الزمان وجال ناديته بلطف وقلت له:
يا بني هل أبوك في الدار.
فاستدار إلي بنظرة ملئها البراءة والرقة وقال لي:
كلا يا سيدي إنه لم يعد
وأين هو؟
إنه في السماء.........................
ماذا...
لعلك يا سيدي صديقه الذي أخبرتني عنه أمي. إن أمي في انتظارك يا سيدي
ثم دخل مسرعا إلى البيت وهو ينادي "أمي أمي لقد عاد صديق أبي لقد عاد...."
ثم عاد وهو يدعوني إلى البيت (كل هذا وهو يقفز ليتحرك لأنه بساق واحدة)
دخلت إلى البيت فتعجبت إذ لم تكن هناك أنوار وكان هناك ضوء شمعة يلوح من إحدى الغرف.
لقد كان البرد شديدا فزاد بذالك من كأبة هذا البيت.
ودخلت تلك الغرفة التي قادني إليها الصبي فوجدت امرأة أو بالأحرى جسد امرأة قد حطمته السنون ملقى على الأرض .
كان عليها أثر المرض الشديد. وماإن راتني تلك المسكينة حتى حاولت النهوض من فراشها كعلامة على الترحيب.
فقلت لها " لا عليك ياسيدتي................. كيف حالك؟"
فقالت "الحمد لله يا ولدي "
"ما قصتك يا سيدتي، وكيف قد رمت بك رياح الدهر إلى هذه الحالة المزرية"
فزفرت وتنهدت ثم قالت
" اه ياولدي من هذا الزمان الذي لم يبدي لي وجه السعد أبدا.
لقد رزقت أنا وزجي رحمه الله بهذا الصبي على كبر، فاحتفينا به وشكرنا الله نعمته .ولكن سرعان ما كشر الدهر عن أنيابه إذ بينما زوجي المسن كان يقطع الطريق مع ولدي هذا صدمتهما سيارة فأودت بحياة الكبير وخطفت ساق الصغير.
ومن يومها وانا أعيش من أجل هذا المسكين الذي سلبته الدنيا فرحة الأطفال وبراءتهم -وذرفت دمعتين ثم قالت-اااااااااه ياولدي ولكن العين بصيرة واليد قصيرة أظن أنني لم يبق لي في هذه الدنيا إلا أيام ولربما كان الموعد أقرب.
وأنا امني هذا المسكين بأن صديق أبيه سيأتي من السماء ليأخذه لزيارته(أي يزور أباه في السماء). ولقد اشترى لي المسكين هذا المساء داواء ونحن بذالك قد أنفقنا كل المدخرات ولم يبق لنا إلا الله"
ماكادت تكمل تلك الأم المسكينة قصتها حتى ابنل وجهي بالدموع وأعطيتها كل ما كان في جيبي ثم ودعتها ووودعت الصبي بعد أن وعدته بأن أزوره في المرة المقبلة وأخذه لزيارة أبيه.
وتوجهت إلى بيتي وقد كانت العاصفة قد بدأت.
لم أستطع النوم واستيقضت في منتصف الليل على صوت العاصفة الرهيبة. ثم قلت لنفسي ياللعار كيف أترك تلك المسكينة وولدها يواجهون هذه الليلة بمفردهم.ثم ارتديت معطفي وذهبت أحث الخطا إليهم.
لكن مالأمر لم أولئك الناس مجتمعون في هذا الليل؟ .
ثم بدأت أسمعهم يهللون ويحوقلون وماإن وصلت حتى وجدت الصبي ملقى على الأرض في الطريق...................
لااااااااااااااااااااااااااااا لقد فارق الحياة
لقد صدمته سيارة في منتصف الليل.
حملت ذالك المسكين وأنا" أقول لقد سبقني إليك صديق والدك وهاقد أخذك لرؤيته في السماء".
وما كدت أصل الى بيت أمه حتى وجدت باب الدار مفتوحا. فدخلت وأنا أفكر كيف سأنعي للأم ابنها.
ولكن كانت هي الأخرى قد فارقت الحياة.
لقد اشتد عليها المرض في الليل فذهب المسكين ينط ويقفز يبحث عن طبيب او من يدله على طبيب وماكاد يقطع الطريق حتى صدمته سيارة.
ولكأن أفراد هذه العائلة المسكينة كانو على موعد في السماء.
لا حول ولا قوة إلا بالله.