أقدم لكم اليوم أحبتي قصيدة من أجمل القصائد التي قرأتها.
إنها رائعة أبي إسحاق الألبيري "تفت فؤادك الأيام فتا" ودون إطالة أترككم لتسبحوا في سحر بيانها
تَفُـتُّ فُـؤادَكَ الأَيّـامُ فَـتّـا *** وَتَنحِتُ جِسمَكَ الساعاتُ نَحتا
وَتَدعوكَ المَنونُ دُعاءَ صِـدقٍ *** أَلا يا صاحِ أَنتَ أُريـدُ أَنتـا
أَراكَ تُحِبُّ عِرساً ذاتَ غَـدرٍ *** أَبَتَّ طَلاقَهـا الأَكيـاسُ بَتّـا
تَنامُ الدَهرَ وَيحَكَ في غَطيـطٍ *** بِهـا حَتّـى إِذا مِـتَّ اِنتَبَهنـا
فَكَم ذا أَنتَ مَخـدوعٌ وَحَتّـى *** مَتى لا تَرعَوي عَنها وَحَتّـى
أَبا بَكرٍ دَعَوتُـكَ لَـو أَجَبتـا *** إِلى ما فيهِ حَظُّـكَ إِن عَقَلتـا
إِلى عِلـمٍ تَكـونُ بِـهِ إِمامـاً *** مُطاعاً إِن نَهَيـتَ وَإِن أَمَرتـا
وَتَجلو ما بِعَينِكَ مِـن عَشاهـا *** وَتَهديـكَ السَبيـلَ إِذا ضَلَلتـا
وَتَحمِلُ مِنهُ في ناديـكَ تاجـاً *** وَيَكسوكَ الجَمالَ إِذا اِغتَرَبتـا
يَنالُـكَ نَفعُـهُ مادُمـتَ حَيّـاً *** وَيَبقى ذُخـرُهُ لَـكَ إِن ذَهَبتـا
هُوَ العَضبُ المُهَنَّدُ لَيسَ يَنبـو *** تُصيبُ بِـهِ مَقاتِـلَ ضَرَبتـا
وَكَنزاً لا تَخافُ عَلَيـهِ لِصّـاً *** خَفيفَ الحَملِ يوجَدُ حَيثُ كُنتا
يَزيـدُ بِكَثـرَةِ الإِنفـاقِ مِنـهُ *** وَينقُصُ أَن بِـهِ كَفّـاً شَدَدتـا
فَلَو قَد ذُقتَ مِن حَلواهُ طَعمـاً *** لَآثَـرتَ التَعَلُّـمَ وَاِجتَهَـدتـا
وَلَم يَشغَلَكَ عَنهُ هَوى مُطـاعٌ *** وَلا دُنيـا بِزُخرُفِهـا فُتِنـتـا
وَلا أَلهاكَ عَنـهُ أَنيـقُ رَوضٍ *** وَلا خِـدرٌ بِرَبرَبِـهِ كَلِفـتـا
فَقوتُ الروحِ أَرواحُ المَعانـي *** وَلَيسَ بِأَن طَعِمتَ وَأِن شَرِبتـا
فَواظِبـهُ وَخُـذ بِالجِـدِّ فيـهِ *** فَـإِن أَعطاكَـهُ اللَـهُ أَخَذتـا
وَإِن أوتيتَ فيهِ طَويـلَ بـاعٍ *** وَقالَ الناسُ إِنَّـكَ قَـد سَبَقتـا
فَلا تَأمَن سُـؤالَ اللَـهِ عَنـهُ *** بِتَوبيخٍ عَلِمـتَ فَهَـل عَمِلتـا
فَرَأسُ العِلمِ تَقوى اللَـهِ حَقّـاً *** وَلَيسَ بِأَن يُقـال لَقَـد رَأَستـا
وَضافي ثَوبِكَ الإِحسـانُ لا أَن *** تُرى ثَوبَ الإِساءَةِ قَـد لَبِستـا
إِذا ما لَم يُفِـدكَ العِلـمُ خَيـراً *** فَخَيرٌ مِنهُ أَن لَـو قَـد جَهِلتـا
وَإِن أَلقاكَ فَهمُـكَ فـي مَهـاوٍ *** فَلَيتَكَ ثُـمَّ لَيتَـكَ مـا فَهِمتـا
سَتَجني مِن ثِمارِ العَجزِ جَهـلاً *** وَتَصغُرُ في العُيونِ إِذا كَبُرتـا
وَتُفقَدُ إِن جَهِلتَ وَأَنـتَ بـاقٍ *** وَتوجَدُ إِن عَلِمتَ وَقَـد فُقِدتـا
وَتَذكُرُ قَولَتي لَكَ بَعـدَ حيـنٍ *** وَتَغبِطُهـا إِذا عَنهـا شُغِلتـا
لَسَوفَ تَعَضُّ مِن نَـدَمٍ عَلَيهـا *** وَما تُغني النَدامَـةُ إِن نَدِمتـا
إِذا أَبصَرتَ صَحبَكَ في سَماءٍ *** قَد اِرتَفَعوا عَلَيكَ وَقَـد سَفَلتـا
فَراجِعها وَدَع عَنـكَ الهُوَينـى *** فَما بِالبُطءِ تُدرِكُ مـا طَلَبتـا
وَلا تَحفِل بِمالِـكَ وَاِلـهُ عَنـهُ *** فَلَيسَ المـالُ إِلّا مـا عَلِمتـا
وَلَيسَ لِجاهِلٍ في الناسِ مَعنىً *** وَلَو مُلكُ العِـراقِ لَـهُ تَأَتّـى
سَيَنطِقُ عَنكَ عِلمُكَ في نَـدِيٍّ *** وَيُكتَبُ عَنكَ يَومـاً إِن كَتَبتـا
وَما يُغنيـكَ تَشيِيـدُ المَبانـي *** إِذا بِالجَهلِ نَفسَكَ قَـد هَدَمتـا
جَعَلتَ المالَ فَوقَ العِلمِ جَهـلاً *** لَعَمرُكَ في القَضيَّـةِ ماعَدَلتـا
وَبَينَهُما بِنَصِّ الوَحـيِ بَـونٌ *** سَتَعلَمُـهُ إِذا طَــهَ قَـرَأتـا
لَئِن رَفَعَ الغَنـيُّ لِـواءَ مـالٍ *** لَأَنتَ لِواءَ عِلمِكَ قَـد رَفَعتـا
وَإِن جَلَسَ الغَنيُّ عَلى الحَشايا *** لَأَنتَ عَلى الكَواكِبِ قَد جَلَستـا
وَإِن رَكِبَ الجِيـادَ مُسَوَّمـاتٍ **** لَأَنتَ مَناهِـجَ التَقـوى رَكِبتـا
وَمَهما اِفتَضَّ أَبكـارَ الغَوانـي *** فَكَم بِكرٍ مِنَ الحِكَمِ اِفتَضَضتـا
وَلَيسَ يَضُرُّكَ الإِقتـارُ شَيئـاً *** إِذا ما أَنتَ رَبَّكَ قَـد عَرَفتـا
فَما عِنـدَهُ لَـكَ مِـن جَميـلٍ *** إِذا بِفِنـاءِ طاعَتِـهِ أَنَخـتـا
فَقابِل بِالقَبولِ صَحيحَ نُصحـي *** فَإِن أَعرَضتَ عَنهُ فَقَد خَسِرتا
وَإِن راعَيتَـهُ قَـولاً وَفِـعـلاً *** وَتاجَرتَ الإِلَـهَ بِـهِ رَبِحتـا
فَلَيسَت هَـذِهِ الدُنيـا بِشَـيءٍ *** تَسوؤُكَ حُقبَـةً وَتَسُـرُّ وَقتـا
وَغايَتُهـا إِذا فَكَـرَّت فيـهـا *** كَفَيئِكَ أَو كَحُلمِـكَ إِن حَلَمتـا
سُجِنتَ بِها وَأَنتَ لَهـا مُحِـبٌّ *** فَكَيفَ تُحِبُّ مـا فيـهِ سُجِنتـا
وَتُطعِمُكَ الطَعامَ وَعَن قَريـبٍ *** سَتَطعَمُ مِنكَ ما مِنهـا طَعِمتـا
وَتَعرى إِن لَبِستَ لَهـا ثِيابـاً *** وَتُكسى إِن مَلابِسَهـا خَلَعتـا
وَتَشهَدُ كُلَّ يَـومٍ دَفـنَ خِـلٍّ *** كَأَنَّـكَ لا تُـرادُ بِمـا شَهِدتـا
وَلَم تُخلَـق لِتَعمُرهـا وَلَكِـن *** لِتَعبُرَهـا فَجِـدَّ لِمـا خُلِقتـا
وَإِن هُدِمَت فَزِدها أَنتَ هَدمـاً *** وَحَصِّن أَمرَ دينِكَ ما اِستَطَعتا
وَلا تَحزَن عَلى ما فاتَ مِنهـا *** إِذا ما أَنتَ في أُخـراكَ فُزتـا
فَلَيسَ بِنافِـعٍ مـا نِلـتَ فيهـا *** مِنَ الفاني إِذا الباقـي حُرِمتـا
وَلا تَضحَك مَعَ السُفَهاءِ لَهـواً *** فَإِنَّكَ سَوفَ تَبكي إِن ضَحِكتـا
وَكَيفَ لَكَ السُرورُ وَأَنتَ رَهنٌ *** وَلا تَـدري أَتُفـدى أَم غَلِقتـا
وَسَل مِن رَبِّكَ التَوفيـقَ فيهـا *** وَأَخلِص في السُؤالِ إِذا سَأَلتـا
وَنادِ إِذا سَجَدتَ لَـهُ اِعتِرافـاً *** بِما ناداهُ ذو النونِ بـنُ مَتّـى
وَلازِم بابَـهُ قَرعـاً عَـسـاهُ *** سَيفتَحُ بابَـهُ لَـكَ إِن قَرَعتـا
وَأَكثِر ذِكرَهُ في الأَرضِ دَأبـاً *** لِتُذكَرَ في السَمـاءِ إِذا ذَكَرتـا
وَلا تَقُل الصِبـا فيـهِ مَجـالٌ *** وَفَكِّر كَم صَغيـرٍ قَـد دَفَنتـا
وَقُل لي يا نَصيحُ لَأَنتَ أَولـى *** بِنُصحِكَ لَو بِعَقلِكَ قَـد نَظَرتـا
تُقَطِّعُني عَلى التَفريـطِ لَومـاً *** وَبِالتَفريطِ دَهرَكَ قَـد قَطَعتـا
وَفي صِغَري تُخَوِّفُني المَنايـا *** وَما تَجري بِبالِكَ حينَ شِختـا
وَكُنتَ مَعَ الصِبا أَهدى سَبيـلاً *** فَما لَكَ بَعدَ شَيبِكَ قَـد نُكِستـا
وَها أَنا لَم أَخُض بَحرَ الخَطايا *** كَما قَد خُضتَهُ حَتّـى غَرِقتـا
وَلَم أَشـرَب حُمَيّـاً أُمِّ دَفـرٍ *** وَأَنتَ شَرِبتَها حَتّـى سَكِرتـا
وَلَم أَحلُـل بِـوادٍ فيـهِ ظُلـمٌ *** وَأَنتَ حَلَلـتَ فيـهِ وَاِنهَمَلتـا
وَلَم أَنشَأ بِعَصـرٍ فيـهِ نَفـعٌ *** وَأَنتَ نَشَأتَ فيهِ وَمـا اِنتَفَعتـا
وَقَد صاحَبتَ أَعلامـاً كِبـاراً *** وَلَم أَرَكَ اِقتَدَيتَ بِمَن صَحِبتـا
وَنـاداكَ الكِتـابُ فَلَـم تُجِبـهُ *** وَنَهنَهَكَ المَشيبُ فَمـا اِنتَبَهتـا
لَيَقبُحُ بِالفَتى فِعـلُ التَصابـي *** وَأَقبَحُ مِنـهُ شَيـخٌ قَـد تَفَتّـى
فَأَنـتَ أَحَـقُّ بِالتَفنيـدِ مِنّـي *** وَلو سَكَتَ المُسيءُ لَما نَطَقتـا
وَنَفسَـكَ ذُمَّ لا تَذمُـم سِواهـا *** بِعَيبٍ فَهِيَ أَجدَرُ مَـن ذَمَمتـا
فَلَو بَكَت الدَما عَينـاكَ خَوفـاً *** لِذَنبِكَ لَم أَقُل لَـكَ قَـد أَمِنتـا
وَمَن لَكَ بِالأَمانِ وَأَنـتَ عَبـدٌ *** أُمِرتَ فَما اِئتَمَرتَ وَلا أَطَعتـا
ثَقُلتَ مِنَ الذُنوبِ وَلَستَ تَخشى *** لِجَهلِكَ أَن تَخِـفَّ إِذا وُزِنتـا
وَتُشفِقُ لِلمُصِرِّ عَلى المَعاصي *** وَتَرحَمُهُ وَنَفسَكَ مـا رَحِمتـا
رَجَعتَ القَهقَرى وَخَبَطتَ عَشوا *** لَعَمرُكَ لَو وَصَلتَ لَما رَجَعتـا
وَلَو وافَيتَ رَبَّـكَ دونَ ذَنـبٍ *** وَناقَشَكَ الحِسـابَ إِذاً هَلَكتـا
وَلَم يَظلُمكَ في عَمَـلٍ وَلَكِـن *** عَسيرٌ أَن تَقـومَ بِمـا حَمَلتـا
وَلَو قَد جِئتَ يَومَ الفَصلِ فَـرداً *** وَأَبصَرتَ المَنازِلَ فيـهِ شَتّـى
لَأَعظَمتَ النَدامَـةَ فيـهِ لَهَفـاً *** عَلى ما في حَياتِكَ قَد أَضَعتـا
تَفِـرُّ مِـنَ الهَجيـرِ وَتَتَّقيـهِ *** فَهَلّا عَن جَهَنَّـمَ قَـد فَرَرتـا
وَلَستَ تُطيقُ أَهوَنَهـا عَذابـاً *** وَلَو كُنتَ الحَديـدَ بِهـا لَذُبتـا
فَلا تُكذَب فَـإِنَّ الأَمـرَ جِـدٌّ *** وَلَيسَ كَما اِحتَسَبتَ وَلا ظَنَنتـا
أَبا بَكرٍ كَشَفـتَ أَقَـلَّ عَيبـي *** وَأَكثَـرَهُ وَمُعظَمَـهُ سَتَـرتـا
فَقُل ما شِئتَ فيَّ مِنَ المَخازي *** وَضاعِفها فَإِنَّـكَ قَـد صَدَقتـا
وَمَهما عِبتَني فَلِفَـرطِ عِلمـي *** بِباطِنَتـي كَأَنَّـكَ قَـد مَدَحتـا
فَلا تَرضَ المَعايِبَ فَهِيَ عـارٌ *** عَظيمٌ يُورِثُ الإِنسـانَ مَقتـا
وَتَهوي بِالوَجيهِ مِـنَ الثُرَيّـا *** وَتُبدِلُهُ مَكـانَ الفَـوقِ تَحتـا
كَما الطاعاتُ تَنعَلُكَ الـدَراري *** وَتَجعَلُكَ القَريـبَ وَإِن بَعُدتـا
وَتَنشُرُ عَنكَ في الدُنيا جَميـلاً *** فَتُلفى البَرَّ فيهـا حَيـثُ كُنتـا
وَتَمشي فـي مَناكِبَهـا كَريمـاً *** وَتَجني الحَمدَ مِمّا قَد غَرَستـا
وَأَنتَ الآن لَم تُعـرَف بِعـابٍ *** وَلا دَنَّستَ ثَوبَـكَ مُـذ نَشَأتـا
وَلا سابَقتَ فـي ميـدانِ زورٍ *** وَلا أَوضَعتَ فيـهِ وَلا خَبَبتـا
فَإِن لَم تَنأَ عَنـهُ نَشِبـتَ فيـهِ *** وَمَن لَكَ بِالخَلاصِ إِذا نَشِبتـا
وَدَنَّسَ ما تَطَهَّرَ مِنـكَ حَتّـى *** كأَنَّكَ قَبلَ ذَلِـكَ مـا طَهُرتـا
وَصِرتَ أَسيرَ ذَنبِكَ في وَثـاقٍ *** وَكَيفَ لَكَ الفُكاكُ وَقَد أُسِرتـا
وَخَف أَبناء جِنسِكَ وَاِخشَ مِنهُم *** كَما تَخشى الضَراغِمَ وَالسَبَنتى
وَخالِطهُـم وَزايلهُـم حِـذاراً *** وَكُـن كالسامِـريَّ إِذا لَمِستـا
وَإِن جَهِلوا عَلَيكَ فَقُل سَلامـاً *** لَعَلَّكَ سَـوفَ تَسلَـمُ إِن فَعَلتـا
وَمَن لَكَ بِالسَلامَةِ في زَمـانٍ *** يَنالُ العُصـمَ إِلّا إِن عُصِمتـا
وَلا تَلَبَث بِحَـيٍّ فيـهِ ضَيـمٌ *** يُميـتُ القَلـبَ إِلا إِن كُبِّلتـا
وَغَرِّب فَالغَريـبُ لَـهُ نَفـاقٌ *** وَشَرِّق إِن بَريقَكَ قَـد شَرِقتـا
وَلَو فَوقَ الأَميرِ تَكـونُ فيهـا *** سُمُوّاً وَاِفتِخـاراً كُنـتَ أَنتـا
وَإِن فَرَّقتَها وَخَرَجـتَ مِنهـا *** إِلى دارِ السَـلامِ فَقـدَ سَلِمتـا
وَإِن كَرَّمتَها وَنَظَـرتَ مِنهـا *** بِإِجـلالٍ فَنَفسَـكَ قَـد أَهَنتـا
جَمَعتُ لَكَ النَصائِحَ فَاِمتَثِلهـا *** حَياتَكَ فَهِيَ أَفضَلُ ما اِمتَثَلتـا
وَطَوَّلتُ العِتـابَ وَزِدتُ فيـهِ *** لِأَنَّكَ في البَطالَـةِ قَـد أَطَلتـا
فَلا تَأخُذ بِتَقصيري وَسَهـوي *** وَخُذ بِوَصِيَّتي لَكَ إِن رَشَدتـا
وَقَـد أَردَفتُهـا سِتّـاً حِسانـاً *** وَكانَت قَبـلَ ذا مِئَـةً وَسِتّـا